Monday, October 14, 2019

"أستطيع التقاط صورة لها وأرسلها إليك... وعندما تعود ستكون ملكك"

يحتضن حي الكاظمية ببغداد واحدا من أهم المزارات والمراقد الشيعية المقدسة، ويتوافد الملايين من حول العالم إلى مرقد الإمام موسى الكاظم، سابع الأئمة الإثنى عشر، الذي قتل في القرن الثامن الميلادي.
واكتشف فريق بي بي سي أن زواج المتعة، رغم أنه غير قانوني في العراق، إلا أنه كان منتشرا في حي الكاظمية. وعندما تحدث مراسل بي بي سي المتخفي إلى عشرة رجال دين في هذه المكاتب، ذكر ثمانية منهم أن يعقدون زواج المتعة. ووافق اثنين منهم بعد التحدث معهما على أن يوثقوا عقود زواج بفتيات لا تتجاوز اعمارهن تسع سنوات.
ويقول غيث التميمي، وهو رجل دين شيعي سابق من كربلاء، إنه شهد على آلاف من زيجات المتعة ولكنه لم يجد أي قاصرات بين الزوجات. ولا ينكر التميمي أن السنة قد يعقدون أيضا زيجات غير رسمية، ولكن رجال الدين الشيعة لديهم حصانة تجعلهم فوق المساءلة بحكم قربهم من أصحاب النفوذ في البلاد.
وقرر فريق بي بي سي أن يجري تحقيقا بعد أن حصل على معلومات من بعض أفراد المجتمع العراقي الذين اهتموا بالأمر.
وذكر أحد رجال الدين، ويدعى سيد رعد، الذي يزعم أنه من الأسياد الذين ينحدرون من نسل النبي محمد: "بإمكانك أن تتزوج إمرأة لنصف ساعة فقط، وبمجرد انتهاء العقد، تعقد على أخرى".
وقال أيضا للصحفي إنه يستطيع أن يحجز جناحا في أفخم الفنادق للصحفي وزوجته المؤقته بموجب زواج المتعة، رغم أنه لا يجوز قانونا أن يستأجر زوجان غرفة في فندق بالعراق ما لم يكن زواجهما معترفا به بموجب القانون المدني.
ولا يرى بعض رجال الدين أن صغر سن العروس لا يقف عائقا أمام الزواج.
إذ يحق للقضاة أن يجيزوا للفتيات القاصرات في سن 15 عاما أن يتزوجن "إذا اقتضت الضرورة"، رغم أن السن القانونية للزواج في العراق 18 عاما. ويجوز للفتيات شرعا أن يتزوجن بمجرد ما تظهر عليهن علامات البلوغ.
وتلزم الشريعة رجال الدين بالحصول على موافقة ولي أمر الفتاة إذا كانت قاصرا. ولكن السيد رعد لم يبد اعتراضا على توثيق عقد الزواج حتى عندما ادعى المراسل المتخفي أن الفتاة التي سيتزوجها بكرا عمرها 13 عاما.
ولكنه في المقابل حذره من أن تفقد الفتاة عذريتها، واقترح عليه إيتيانها من الدبر. ورحب الشيخ بإجراء المراسم عبر الهاتف، دون أن تحضر الفتاة.
ودفع المراسل المتخفي 200 دولار للشيخ نظير إتمام المراسم التي لم تستغرق سوى دقائق.
ووافق على أن يحجز للمراسل فتاة أخرى ليعقد عليها لاحقا.
وأحضر سيد رعد للمراسل المتخفي شابة أخرى متاحة لزواج المتعة، وعرض عليه أن يقضي معها الليلة نظير 300 دولار. وعندما قال له الصحفي أنه تراجع عن فكرة زواج المتعة، عرض عليه السيد رعد أن يستغل الفتاة لتبحث له عن عروس أصغر منها سنا.
وقال الشيخ: "لعلها تجد فتاة في سن 14 أو 15 أو 16 عاما. سأذهب معها وأعاين الفتاة بنفسي، وإن وجدتها صغيرة السن سأحضرها إليك".
وعندما سأل فريق بي بي سي الشيخ عماد الأسدي، كبير الأئمة في مكتب الزواج الشرعي في مسجد كربلاء بمدينة كربلاء المقدسة التي تبعد 120 كيلومترا عن بغداد، عن رأيه في زواج المتعة، رد الشيخ بأنه لا يوثق زواج متعة قط، رغم أنه جائز شرعا.
ولكن بعض رجال الدين في الشوارع المحيطة بالمرقد، كانوا يقدمون نصائح مختلفة تماما.
إذ قال الشيخ سيد مصطفى سلاوي إنه مستعد أن يوثق عقد زواج متعة بين المراسل وبين فتاة زعم المراسل أنها لم تتجاوز 12 عاما. ولم يكترث لصغر سن العروس.
وقال الشيخ: "لا مشكلة على الإطلاق مادامت العروس بلغت تسع سنوات فما فوق. الشريعة لا تمنع شيئا. يحق لك أن تفعل ما يحلو لك".
وعندما اتصل به الصحفي مرة أخرى بعد بضعة أيام، لمعرفة ما إن كان سيتمكن من إحضار عروس أخرى، قال له إنه بإمكانه توفير مجموعة من النساء ليختار من بينهم.
وقال: "هؤلاء الفتيات لن يرسلن صورا، ولكنني أؤكد لك أنك حين تراهم وجها لوجه ستجدهن جميلات، رائعات الجمال، وإن لم تعجبك أي منهن، سأرسل لك عروس ثانية وثالثة إلى أن تختار واحدة".
اتصلت بي بي سي بمكتب آية الله السيستاني في النجف حيث أطلعت القائمين على الأدلة المتوافرة للصحافيين وطلبت إيضاحا عن موقفه من زواج المتعة.
قال مكتب السيستاني في بيان: "لو كانت تلك الممارسات تجري كما وصفتموها فإننا ندينها دونما تحفظ. ليس مسموحا بإبرام زيجات مؤقتة كسبيل لبيع الجنس بما يمس كرامة النساء وإنسانيتهن. لا ينبغي أن يسمح ولي الأمر بزواج البنت دون موافقتها... وليس مفروضا أن تتزوج بخلاف القانون بما يوقعها في مشاكل".
كان آية الله علي السيستاني، البالغ من العمر 89 عاما، شأنه شأن مراجع شيعة آخرين في العراق، قد سبق وأورد في كتاب نشر قبل 25 عاما بعنوان "منهاج الصالحين"، أنه إن اتُفق على زواج أو زواج مؤقت لبنت دون التاسعة فيجوز شرعا مداعبتها جنسيا.
قال بيان من مكتب السيستاني لبي بي سي إن "الزمان قد تغير وقد تم حذف ذلك من كتبه الراهنة".
يبلغ علي الأربعينيات من عمره ويشغل وظيفة محترمة، وهو ممن يلجئون للشيوخ ليبحثوا له عن نساء وفتيات لزواج المتعة، ويقول: "لا جناح في الأمر وهو متوفر ورخيص ولا ضير منه".
ويضيف: "لدى الشيخ ألبوم صور وأحيانا تجلس عدة فتيات في مكتبه، إن أعجبتك إحداهن فيمكنك أن تأخذها، وإن لم تعجبك فلديك ألبوم الصور كبديل".
يقول علي إنه يفضل البنات في السادسة عشرة أو أكبر لأن لديهن خبرة أكثر وسعرهن أقل من البنات الأصغر. يقول إن البنت بعمر 12 عاما تكون "غضة" وبالتالي أغلى ثمنا ويكسب الشيخ 800 دولار للعقد الواحد على إحداهن.
تتفق رسل على ان الطلب على البنت البكر أكثر. 
وتقول: "هناك شيوخ يبحثون عن البنات البكر الصغيرات لأن الطلب عليهن كثير من الزبائن والرغبة فيهن أكثر ويتم دفع أكثر مقابلهن. يحدث هذا مع كثيرات لا قليلات".
وتضيف إن الحد الأقصى لسن البنات اللاتي تعملن مع الشيوخ هو سن العشرين.
لم تكن منى قد تجاوزت الرابعة عشرة من عمرها حين تم إقناعها بزواج متعة من رجل يكبرها سنا تتبعها من مدرستها إلى بيتها.
تبلغ منى اليوم السابعة عشرة وتضغط أسرتها عليها للزواج ولكنها تشعر بالرعب من أن يكتشف زوج المستقبل أنها ليست بكرا، وتقول إن عمها قتل ابنته لمجرد أنها تصاحب شخصا. وتقول إنها تفكر في الانتحار.
تقول: "لا أجد مخرجا. سأقدم على الانتحار إذا زاد الضغط علي". 
هربت منى من البيت منذ حديثها لبي بي سي.
وليست الصغيرات وحدهن من يتضررن جراء زيجات المتعة.
رنا في العشرينات من عمرها وقد طلقها زوجها بعد هربها إلى بغداد قبل خمس سنوات بعد اجتياح الجهاديين السنة من تنظيم الدولة الإسلامية لمدينتها.
التقت بشخص آخر وفرحت حين فاتحها بالزواج. افترضت أنه زواج دائم ولم تقرأ العقد لثقتها فيه.
وحتى لو كانت قرأته فربما فاتها أن ترى أنه زواج متعة لأن العقد يشبه تماما عقد الزواج الشرعي المعتاد باستثناء أن الشيخ يكتب بين قوسين كلمة "متعة" كجزئية يسهل التغافل عنها.
تقول: "أمضيت ثلاثة أيام من أسعد أيام حياتي، كنا نطلب الطعام من الخارج وكان أليفا جدا بي. وحين تشعرين بالكسر ويأتي شخص يمنحك الأمل فإنه يكون بمثابة كل شيء بالنسبة لك".
بعد ذلك أخذها زوجها للتسوق، واختفى دون أثر.
رفضتها الأسرة حين اكتشفت أن زواجها كان مؤقتا، فرغم تحليل رجال الدين الشيعة لزواج المتعة إلا أن كثيرين بالمجتمع العراقي – الشيعي والسني - يرونه عارا لا يختلف عن البغاء.
تقول: "حين تتزوجين تشعرين بالأمان والسعادة فلديك زوج ولديك مستقبل، ولكن يتضح أن الأمر كله كذبة. نرى المعمم شخصا له إجلاله حتى يتضح لك أن هذا المعمم كان أفّاقا".
يدافع بعض رجال الدين عن زواج المتعة باعتباره وسيلة لإتاحة دخل للأرامل والمطلقات بما تحصل عليه المرأة من مهر، ويقولون إنه يشبع الرغبة الجنسية لدى المرأة بشكل مشروع.
ولكن رسل تؤكد زيف هذا الادعاء بقولها: "ربما يريد البعض هذا، ولكني لا أعتقد أن الكثيرات كن سيلجأن لهذا الطريق لو توفرت المادة فما الذي يجعل فتاة مراهقة تقدم على ذلك؟"
يقول مكتب آية الله السيستاني لبي بي سي إن الانتهاكات التي شهدناها جرت بسبب عدم تطبيق السلطات للقانون.
لا تتوافر إحصاءات عن عدد زيجات المتعة التي يتم عقدها وإن دللت إشارات متفرقة على انتشارها بشكل أوسع بعد الغزو الذي تزعمته الولايات المتحدة للعراق عام 2003. 
أطاح الغزو الأمريكي بحكم صدام حسين العلماني اسميا ليضع حدا "لهيمنة" الأقلية السنية في العراق سياسيا واقتصاديا ولما كانت الأغلبية الشيعية تتعرض له من اضطهاد.
ورغم عدم إمكان التحقق من كافة تفاصيل رواية رسل فقد أكدت مصادر أن العديد من أوجه روايتها تضاهي روايات فتيات أخريات وقعن عرضة للاستغلال على أيدي رجال الدين بالطريقة ذاتها، بل قالت فتيات أخريات إنه جرى إعطاؤهن حقنا لمنع الحمل.
تتندم رسل على اليوم الذي سارت فيه هذا الدرب دون علم منها. وتقول: "ما إن تبدأ فتاة هذا الطريق إلا وتقضي على حياتها"

No comments:

Post a Comment